حكم الأخذ من الشعر والأظافر لمريد التّضحية : اختلف الفقهاء في العمل بهذا الحديث فيمن (أخذ من شعره وظفره شيئًا؛ أعصى أم لا؟)
التفصيل في هذا المقال
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي ﷺ قال: «من كان له ذِبٌح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يُضحي.»
اختلف الفقهاء في العمل بهذا الحديث فيمن (أخذ من شعره وظفره شيئًا؛ أعصى أم لا؟) والخلاف في المسألة قوي لشدة تجاذب الأدلة ودلالاتها وهي كلها دلالات ظنيّة وليست بقطعيّة، ومُحصّل هذه الأقوال ثلاثة:
– القول الأول: استحباب الاجتناب دون الإيجاب ويُكره الأخذ تنزيها لا تحريماً؛ وهو قول المالكيّة والشّافعيّة.
– القول الثاني: الإباحة فليس بِسُنّة ولا يُكره؛ وهو قول الحنفيّة.
– القول الثالث: وجوب الإجتناب وتحريم الأخذ لِظَاهر الحَدِيث وتشبيها بالمُحرِم؛ وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر.
🔹️ولم يأخذ الإمام مالك -رحمه الله- بحديث أم سلمة وإن كان قد رواه، وَلَمَّا ذُكر له الحديث قال: [ليس من حديثي].. أي لم يأخذ به، قال عمران بن أبان: [سألتُ مالك بن أنس عنه، فقال: ليس من حديثي. فقلت لجلسائه: حدثنا بهذا الحديث إمام العراق شعبة عنه، ويقول: ليس هو من حديثي؟! فقالوا: إنه إذا لم يأخذ بالحديث قال: ليس من حديثي] (الاستذكار)
قال الحافظ ابن عبدالبر: [وكان مالك لا يُحدّث به أصحابه؛ لأنه كان لا يأخذ بما فيه من معنى المنع من حلق الشعر وقطع الظفر لمن أراد الضحية، وإنما لم يأخذ به لحديث عائشة.] (التمهيد)
〰️وذهب عامّة أئمة المَالكيّة إلى استحباب الاجتناب وكراهية الأخذ وهو مذهب الشافعي وأصحابه جَمعًا بين الأثر والقياس، [قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ أَلَّا يَقُصَّ شَعَرَهُ وَلَا ظُفُرَهُ إِذَاَ أَهَّلَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ] (الذخيرة)
وحديث عائشة -رضي الله عنها- الذي استدل به مالك والشافعيَ هو قولها: «فتَلْتُ قلائدَ بُدْن النبي ﷺ بيديَّ، ثم قلَّدها وأشعرها وأهداها فما حَرُم عليه شيءٌ كان أُحِلَّ له.» ففيه دليل على إباحة ما قد منعه حديث أم سلمة، فالنبي ﷺ لم يكن ليفعل ما نهى عنه إن كان حراماً.
– قال الإمام الترمذي: [ورَخّص بعض أهل العلم في ذلك فقالوا: لا بأس أن يأخذ من شعره وأظفاره وهو قول الشافعي واحتج بحديث عائشة أن النبي ﷺ كان يبعث بالهدي من المدينة فلا يجتنب شيئاً مما يجتنب منه المحرم.] (الجامع)
– قال ابن عبد البر: [في حديث عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم حين قلد هديه وبعث به، وهو يرد حديث أم سلمة ويدفعه.] (التمهيد)
– وقال الإمام الخطابي: [وَفِي حَدِيث عَائِشَةرَضِيَ اللَّه عَنْهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل النَّدْب وَلَيْسَ عَلَى الْوُجُوب] (عون المعبود)
وقد قالت عائشة -رضي الله عنها- هذا لمّا بلغها قول ابن عباس -رضي الله عنهما- : [“من أهدى هديا حَرُم عَلَيهِ مَا يَحرُم على الحاج حتى ينحر الهدي” .. قالت عائشة : “ليس كما قال ابن عباس، أنا فتلت قلائد هدي …” الحديث.] (الموطأ)
وقد احتج عليهم من ذهب إلى التَّحريم -كابن قدامة والشوكاني- أن حديث أم سلمة خاص وحديث عائشة عام والخاصّ مُقدم على العام، لكنّهم لم يعتبروه لقُوّة حديث عائشة ولاختلاف أهل العلم في حديث أم سلمة هل هو من قول النبيّ أم هو موقوف على أم سلمة.
واحتج المالكية والشافعية كذلك بالقياس.. فالأثر قد يُفهم منه أن المقيم الذي أراد أن يضحي عليه أن يشابه من أحرم بالحج فيحرم عليه ما يحرم على المحرم .. لكن أجمع أهل العلم على أن من أراد الاضحية فإنه لا تحرم عليه النساء، وما دونه فلا يحرم من باب أولى
قال الإمام ابن عبد البر: [قد أجمع العلماء على أن الجماع مباح في أيام العشر لمن أراد أن يضحي, فما دونه أحرى أن يكون مباحاً.] (التمهيد)
وقال الخطابي: [وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحْرُم عَلَيْهِ اللِّبَاس وَالطِّيب كَمَا يَحْرُمَانِ عَلَى الْمُحْرِم ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل النَّدْب وَالِاسْتِحْبَاب دُون الْحَتْم وَالْإِيجَاب] (عون المعبود)
● الخلاصة:
يتلخص من هذا أن المالكيّة والشافعيّة قالوا بكراهة الأخذ فقط وليس بالتحريم لرجحان حديث عائشة على حديث أم سلمة من جهة السند والمعنى والعمل فمما يعضد هذا القول أن عامّة فقهاء الأمصار (المدينة ومكة ومصر والكوفة) عليه.
والله أعلم.