أثر الأعلاف الصناعية في طهارة الحيوانات وحلها
الدكتور/ محمد فالح مطلق بني صالح
المبحث الأول : مرجعية التحليل والتحريم في الأطعمة
المطلب الأول :
المرجعية في التحليل والتحريم عند غير المسلمين ·
لم يكن للتحليل والتحريم عند غير المسلمين أساس شرعي ولا ضابط يحدد مدى التحليل والتحريم ، بل كان مرجعهم هو الهوى والجهل والخرافة ، ومعاندة الفطرة السليمة ·
وعندما تنزلت الكتب السماوية على الرسل الكرام عليهم السلام ، حرمت ما كان مخالفاً للفطرة السليمة ، إلا أن المعاندين استمروا على عنادهم وضلالهم وخرافاتهم ·
فبالنسبة لليهود مثلاً : يقول سبحانه وتعالى: كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (7)، فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون (4)، قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين (8)·
والمعنى والله أعلم ، أن جميع أنواع الأطعمة كانت حلالاً لبني إسرائيل إلا ما حرمه يعقوب على نفسه ، وهو لحم الإبل ولبنها ، ثم حرمت عليهم أنواع من الأطعمة كالشحوم وغيرها عقوبة لهم على معاصيهم ، كما ورد في قوله تعالى: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ·· إلى قوله تعالى: ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون (9)·
ولذلك تحداهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يأتوا بالتوراة ليقرؤوها إن كانوا صادقين في دعواهم عدم تحريمها ، بسبب بغيهم وظلمهم ·
فلم يجرؤ أحد منهم على إخراج التوراة ، وقامت الحجة عليهم بأنهم ظالمون وأن الشرع الصادق هو ما شرعه الله وأوحى به إلى إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين(10)·
وبالنسبة للوثنيين والمشركين: فقد وصفهم رب العزة بقوله تعالى: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون(11)·
فهذا يعني أن مشركي قريش سمحوا لأنفسهم بالتحليل والتحريم لكثير من نعم الله التي ذرأها وأوجدها لهم ، فجعلوا لله من الأنعام والزروع نصيباً ينفقونه على الفقراء ، وجعلوا لشركائهم من الأوثان نصيباً آخر ينفقونه على سدنتها ، بحجة أن الله غني والأصنام أحوج ، ساء ما يحكمون ، وهو ذم وتوبيخ من الله جل جلاله لهم على هذا الحكم الجائر في التحليل والتحريم (12)، وهذا من الشرك في التشريع الذي هو حق لله وحده جل جلاله ·
المطلب الثاني :
المرجعية في التحليل والتحريم عند المسلمين :
من المقرر في مباحث الحكم من علم أصول الفقه الإسلامي عند أهل السنة ، أنه لا حكم للأشياء قبل البعثة ، وأن أمرها موقوف إلى ورود الشرع لا إلى العقل كما هو الحال عند المعتزلة (13)، لأن حكم الشرع عند الأصوليين هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً ·
وهو عند الفقهاء :
مقتضى خطاب الشارع في الفعل كالوجوب والحرمة والإباحة(14)·
ومن المقرر في علم الأصول عند الجمهور أن الأصل في المنافع الإباحة ، سواء كانت الإباحة مبنية على النص الشرعي كقوله تعالى: ····· كلوا من الطيبات(15) أو كانت الإباحة مبنية على البراءة الأصلية عند عدم ورود نص أو عدم ضرر (16)· والمراد بالمنافع الأشياء النافعة للإنسان ، لأن الأصل فيها الإذن في استعمالها إلى أن يرد الدليل بتحريمها ، لعموم قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه (17)· قال الشافعي رحمه الله : أي مما كنتم تأكلون (6)، وقوله تعالى: يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات (18)·
كما أن المراد بالمضار : كل ما فيه ضرر على الإنسان ، إذ الأصل فيه المنع ما لم يرد الدليل على الجواز ، لعموم قوله تعالى: ··· إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به (19)· وقال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) (20)·
فمن خلال هذه النصوص وغيرها يستدل على منع الضرر مطلقاً في الإسلام، وأنه لا يجوز تناول ما فيه ضرر من مطعومات ومشروبات ، ولذا فقد صنف فقهاء المذاهب في المطعومات كتباً وأفردوا لها أبواباً ، وفصلوا أحكامها تفصيلاً ينبئ عن مدى عنايتهم وكبير اهتمامهم بما يأكله الآدميون ، مستندين في ذلك إلى الأصول من الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة ، متجردين من العوائد وحب الهوى والشرك والبدع·
وقد بين الإسلام الأساس الذي يقوم عليه مبدأ التحريم والتحليل في الأطعمة، وفصله وبينه بياناً وافياً ، مصداقاً لقوله تعالى: وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ·· (21)·
فالاستطابة والتلذذ ليسا كافيين لتحليل الشيء أو إباحته ، فقد يلتذ الإنسان بما يضره أو يمنعه منه الطبيب ·
كما أن الاستطابة ليست استطابة أمة دون غيرها ، فالشيء قد يوجد في مكان ولا يوجد في غيره ، لأن الحكم على الأشياء هو للشريعة وليس للبشر ، فقد كان أكل الدم والميتة وشرب الخمور مستطاباً عند بعض بني البشر ، لكن الله حرم ذلك على الجميع (22)، وقد قيل لبعض العرب : ما تأكلون ؟ قال : ما دب ودرج إلا أم حبين، فقال: ليهن أم حبين العافية (23) (24)، لذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبح للعرب كل ما كانوا يألفونه ، ولم يحرم عليهم كل ما كانوا يكرهونه ، بل أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث لقوله تعالى: ··· ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث···(25) ومن ذلك كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير فإنها عادية ، فإذا أكلها الناس صار في أخلاقهم من أخلاق هذه البهائم والسباع من البغي والعدوان ما هو مذموم (26) شرعاً وطبعاً ·
كما حرم الدم المسفوح ، لأنه يورث في النفس شهوة الغضب ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)(27) فالطيبات التي أباحها الشرع هي المطاعم النافعة للعقول والأخلاق ، كما أن الخبائث هي كل ما يضر العقول والأخلاق ، ولذا فإن الله أباح للمتقين كل طيب يستعينون به على عبادته التي أمرهم بها ، وحرم عليهم الخبائث التي تضرهم في المقصود الذي خلقوا له ، وقد أمروا بالشكر على ما أبيح لهم ، فمن أكلها ولم يشكر فقد ترك أمر الله واستحق عقوبته، ومن حرمها فقد تعدى حدود الله ، فاستحق العقوبة كذلك ، لقوله تعالى: كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (28)·
وخلاصة القول :
إن موضوع التحليل والتحريم تشريع سماوي توقيفي ، فالحلال ما أحله الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، والحرام ما حرمه الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وليس للهوى أو التعصب في ذلك نصيب، لقوله تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (29)·
المطلب الثالث
أنواع الأطعمة من حيث الحل والحرمة :
قسّم الفقهاء أنواع الأطعمة في حال الاختيار إلى قسمين رئيسين:
القسم الأول : أطعمة نباتية ·
القسم الثاني : أطعمة حيوانية ·
والذي يهمنا في موضوع بحثنا هو القسم الثاني ·
فالحيوان منه حلال في الشرع ومنه حرام ومنه مسكوت عنه ·
والمحرم منه ما يكون محرماً لعينه ومنه ما يكون محرماً لسبب وارد عليه (30)·
والمحرم لعينه : بعضه متفق عليه ، وهو لحم الخنزير وشحمه وجلده والدم المسفوح (31)، وبعضه مختلف فيه وهو أربعة : لحوم السباع من الطيور وذوات الأربع، وذوات الحوافر الإنسية ولحم الحيوان المأمور بقتله في الحرم ، ولحوم الحيوانات التي تعافها النفوس وتستخبثها الطباع (32)· ومما يلحق بالمختلف فيه، بعض أجزاء الميتات ، كالجلود والعظام والشعر والريش والحوافر والأظلاف والأرواث ·
والمحرم لسبب وارد عليه مما اتفق على تحريمه سبعة أشياء هي :
ميتة البر والمنخنقة ، والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ، وكل ما نقصه شرط من شروط التذكية من الحيوان الذي تشترط له التذكية(33) كذبيحة المجوسي وما ذبح بعظم ونحو ذلك ·
وأما المحرم لسبب وارد عليه مما اختلف فيه فهو :
الجلالة والطعام الذي يخالطه نجس ، وميتة البحر (34)·
وقد اختلف الفقهاء في تعليل التحريم لكثير من المحرمات ، فمنهم من ردها إلى الاستقذار الشرعي (2)، ومنهم من ردها إلى النجاسة (35)، وبين التعليلين عموم وخصوص، فكل نجاسة قذر وليس كل قذر نجاسة ، ولذا لا بد من بيان مكونات الأعلاف الصناعية والحكم عليها من حيث الحل والحرمة ·